السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته
أخواني الكرام كثير منا يتساءل عن مفهوم "الولاية "؟ ما هي ؟؟؟ من هم "أولياء الله"؟؟؟ما أوصافهم؟؟؟ما مقامهم؟؟؟؟؟
رسولنا الكريم صلوات الله عيه في حديث قدسي عن رب العزة يوضح لنا فيه هذه التساؤلات.
أولا-نص الحديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه . وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولا بد له منه " أخرجه البخاري .
2-مفردات الحديث:
*إن الله قال:إشارة الى أنه حديث قدسي.
*- من عادى لي وليا :عادى: يعني: اتخذ الولي عدوا، وهذا معناه أنه أبغضه، والمراد بولي الله العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته .
وقد استشكل وجود أحد يعاديه لأن المعاداة إنما تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والصفح عمن يجهل عليه ......,
وأجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاملة الدنيوية مثلا بل قد تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر , والمبتدع في بغضه للسني , فتقع المعاداة من الجانبين , أما من جانب الولي فلله تعالى وفي الله , وأما من جانب الآخر فلما تقدم .
ويقول ابن حجر:"ولا أرى المعنى إلا أنه عاداه من أجل ولايته وهو إن تضمن التحذير من إيذاء قلوب أولياء الله ليس على الإطلاق بل يستثنى منه ما إذا كانت الحال تقتضي نزاعا بين وليين في مخاصمة أو محاكمة ترجع إلى استخراج حق أو كشف غامض , فإنه جرى بين أبي بكر وعمر مشاجرة , وبين العباس وعلي , إلى غير ذلك من الوقائع".
*-فقد آذنته بالحرب: أي أعلمته , والإيذان الإعلام , ومنه أخذ الأذان .
وإيذانه بالحرب معناه: أنه أعلم وأنظر بأنه سيعاقب من الله -جل وعلا- إذ حرب الله -جل وعلا- إيصال عذابه ونكاله بعباده.
قال الفاكهاني : في هذا تهديد شديد , لأن من حاربه الله أهلكه , وهو من المجاز البليغ , لأن من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه , وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة , فمن والى أولياء الله أكرمه الله .
*وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه :يعني: أن أحب القربات إلى الله -جل وعلا- أن يتقرب إليه بها العبد أن يتقرب العبد بالفرائض، هذه أحب القربات إلى الله -جل وعلا-: الصلوات الخمس، حيث تصلى وتقام، والزكاة المفروضة، والصيام المفروض، والحج المفروض، والأمور الواجبة، وكل أمر افترضه الله -جل وعلا- عليه فالتقرب إليه به.
وهذا خلاف ما يأتي لبعض النفوس، في أنهم يحصل عندهم خشوع و تذلل في النوافل ما لا يحصل في الفرائض، بل ويرجون بالنوافل ما لا يرجون بالفرائض، وهذا خلاف العلم.
قال الطوفي: الفرض كالأصل والأس والنفل كالفرع والبناء , وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل .
*-وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه :التقرب طلب القرب , قال أبو القاسم القشيري : قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه , ثم بإحسانه .
ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق .
-حتى أحبه: هذا يدل على أن محبة الله -جل وعلا -تجلب بالسعي في طاعته بأداء النوافل والسعي فيها بعد أداء الفرائض، والتقرب إلى الله -جل وعلا- بها. لأن التقرب بالنوافل يكون بعد أداء الفرائض.
وقال الفاكهاني : معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرهما أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى .
*-فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها :وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره إلخ ؟ والجواب من أوجه :
أحدها أنه ورد على سبيل التمثيل , والمعنى كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح .
ثانيها: أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني , ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به .
قال الفاكهاني : يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله , وهو أن يكون معنى سمعه مسموعه , لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان أملى بمعنى مأمولي , والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابي ولا يأنس إلا بمناجاتي ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاي ورجله كذلك , وبمعناه قال ابن هبيرة أيضا .
*-ولئن استعاذني لأعيذنه:يدل على أن العبد إذا صار من أهل حب الله تعالى لم يمتنع أن يسأل ربه حوائجه ويستعيذ به ممن يخافه، والله تعالى قادر على أن يعطيه قبل أن يسأله، وأن يعيذه قبل أن يستعيذه، ولكنه سبحانه متقرب إلى عباده بإعطاء السائلين، وإعاذة المستعيذين.
*وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولا بد له منه :
قال الكلاباذي : أنه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات , أي عن الترديد بالتردد , وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت فيقبض على ذلك .
قال : وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه والمحبة للقائه ما يشتاق معه إلى الموت فضلا عن إزالة الكراهة عنه , فأخبر أنه يكره الموت ويسوءه , ويكره الله مساءته فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال فيأتيه الموت وهو له مؤثر وإليه مشتاق.
ثالثا: مضمون الحديث:
هذا حديث جليل ، في أوصاف الأولياء ، وفضلهم ومقاماتهم . يخبر الله تعالى فيه أن معاداة أوليائه معاداة له ومحاربة له .
ثم ذكر صفة الأولياء الصفة الكاملة ،...وأنهم هم الذين تقربوا إلى الله بأداء الفرائض والنوافل من صلاة وصيام وزكاة وحج ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وجهاد ، وقيام بحقوقه وحقوق عباده الواجبة .
ثم انتقلوا من هذه الدرجة إلى التقرب إليه بالنوافل ، فإن كل جنس من العبادات الواجبة مشروع من جنسه نوافل فيها فضائل عظيمة تكمل الفرائض ، وتكمل ثوابها .
فأولياء الله قاموا بالفرائض والنوافل ، فتولاهم وأحبهم وسهل لهم كل طريق يوصلهم إلى رضاه ، ووفقهم وسددهم في جميع حركاتهم ، فإن سمعوا سمعوا بالله ، وإن أبصروا فلله ، وإن بطشوا أو مشوا ففي طاعة الله .
ومع تسديده لهم في حركاتهم جعلهم مجابي الدعوة : إن سألوه أعطاهم مصالح دينهم ودنياهم ، وإن استعاذوه من الشرور أعاذهم .
ومع ذلك لطف بهم في كل أحوالهم ، ولولا أنه قضى على عباده بالموت لسلم منه أولياؤه ، لأنهم يكرهونه لمشقته وعظمته ، والله يكره مساءتهم ، ولكن لما كان القضاء نافذا كان لا بد لهم منه .
رابعا:المستفاد من الحديث:
*-أن الولي هو العالم بالله والمخلص في طاعته.
*-تعظيم قدر الولي , لكونه خرج عن تدبيره إلى تدبير ربه , وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له .
*-أداء الفرائض مقدم على النوافل.
*- إثبات محبة الله للعبد و أنها تحصل باتيان الفرائض والمواظبة على النوافل.
*-إجابة الله تعالى لدعاء أوليائه.
*-عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه وكره مساءتهم.
جعلنا الله تعالى واياكم من أوليائه ووفقنا الى ما يحبه ويرضاه.
آمين.والحمد لله رب العالمين